تحذير.. السحر الأزرق يهدد الجزائريين!
صمت كبير يلف أسرة مجتمعة حول طاولة وتحت شمسية على شاطئ البحر بمنطقة "العوانة" بجيجل شرقي العاصمة الجزائرية، ليس الصمت عنوانًا للتأمل في روعة المكان أو الاستمتاع بزرقة البحر، لكنه صمت فرضته التكنولوجيا على الأسرة الصغيرة، الوالد منهمك مع هاتفه النقال وهو يتصفح الصفحات بجدية أما الوالدة فهي ترد على رسائل الصديقات والأهل والأحباب بينما يهتم الأولاد الثلاثة مع هواتفهم النقالة وطبعًا كل واحد يتصفح صفحة من صفحات موقع "فيسبوك".
أنشئت مصحة علاج إدمان الإنترنت في محافظة قسنطينة الجزائرية وهو المركز الوحيد في العالم العربي والثالث بعد الصين وكوريا الشمالية
في البداية، يقول الوالد محمد شعباني لـ"الترا صوت" أن "الأمر عادي"، فلكل فرد في الأسرة الواحدة جهازه الإلكتروني، بحكم طبيعة تغير المجتمع الجزائري، ومع مرور الزمن تحولت الملكية إلى حالة من الإدمان على الإنترنت وعلى تطبيقاته المتعددة فيجد فيها الشخص ما لا يجده في الواقع، بطريقة بسيطة وسريعة ولا يتشارك فيها إلا مع أصدقائه "الوهميين"، التكنولوجيا، بحسبه، "سمحت له بالإبحار في العالم واختصار المسافات وتقليص الجهد أيضًا"
سم قاتل لكن ببطء شديد..
هي "مغارة العجائب والغرائب"، حسب وصف المختصين في الإنترنت، أما الإدمان عليها فهو ما تقدمه من معلومات وصور واختصار للمسافات وللقاءات الافتراضية والتعود عليها مثل التعود على "المخدرات"، يقول أحد المختصين في المجال لـ"الترا صوت".
من هنا، بدأت فكرة إنشاء مصحة علاج إدمان الإنترنت بمقر الصحة الجوارية بمنطقة بشير منتوري بمحافظة قسنطينة، شرقي العاصمة الجزائرية، يقول الأخصائي النفسي رؤوف بوقفة لـ"الترا صوت" أنه "مركز لعلاج الإدمان على صفحات فيسبوك وعدم القدرة على التخلص منها، وهو المركز الوحيد في العالم العربي والثالث بعد الصين وكوريا الشمالية". "الإنترنت رغم فوائدها، إلا أنها أضرت بالكيان الأسري"، يقول الأستاذ بوقفة، ويضيف: "ضررها أكبر من نفعها، فرقت الأسرة وجعلتها تعيش في عالم مختلف كل على حدة، بل عطلت عجلة الحياة الاجتماعية العادية وقلصت من اللقاءات الأسرية".
يحاول أطباء علم النفس والمختصون الاجتماعيون التطرق إلى هذه المخاوف في المركز العلاجي المختص، الذي يضم أخصائيين نفسيين واجتماعيين، ويعلنون أن هدفهم "تقديم المساعدة للتخلص من الإدمان التكنولوجي"، موضحين أن "الإدمان يبدأ لدى الأطفال وهو أمر خطير جدًا، ويهدد النواة الأولى للمجتمع الجزائري أي الأسرة".
يقول الأخصائيون النفسيون في المركز العلاجي لـ"الترا صوت": "الاستخدام الزائد للإنترنت مضر جدًا، لأنه يصبح مع مرور الزمن استلابًا ذهنيًا، حيث لا يمكن الاستغناء عنه وهو ما يولد لدى المستخدم حالة من الإحباط، ونحن نخشى من جيل كامل من المحبطين والمدمنين على العالم الافتراضي". في هذا السياق، تقول الأخصائية النفسانية سمية بن نفزة لـ"الترا صوت": "هناك ما يعرف بالطلاق داخل البيت الواحد، فالزوج منهمك مع جهازه الإلكتروني والزوجة أيضًا، بل هناك حالات عديدة عرفت طلاقًا حقيقيًا بسبب مواقع التواصل الاجتماعي وأشهرها فيسبوك، بسبب علاقات الزوجين مع نساء ورجال عبر هذا الفضاء، وهو ما أدخل شكوكًا ومشاكل أدت إلى الطلاق". ويضيف المحامي سعيد بوكلوز لـ"الترا صوت" أن "المحاكم الجزائرية بدأت تعالج العشرات من القضايا الخاصة بالطلاق بسبب مواقع التواصل الاجتماعي وهو أمر خطير يتهدد الأسرة وكيانها واستمرارها أيضًا".
في سياق متصل، يتحدث الأستاذ في علم الاجتماع الأسري كمال بوالعسل لـ"الترا صوت": "الإدمان على الإنترنت أصبح مشابهًا للإدمان على الكحول والمخدرات، نحن أمام مخاطر لا ترى بالعين المجردة، لكن أضرارها تستمر على مدى فترة طويلة من الزمن خصوصًا لدى الأطفال". ويضيف: "هي نفس المشاهد التي لاحظتموها في الشواطئ، أسر جمعها البحث عن الاستجمام والراحة وفرقتها التكنولوجيا، مشاهد تتكرر حتى بين الأصدقاء وهم مجتمعون في المقاهي وفي الجامعات وفي الشوارع وفي وسائل النقل، وأيضًا وهم مشاة في الشوارع".
يؤكد الشباب الجزائري أن "فيسبوك" ينقل الهموم والمشاكل ويفتح أبواب الصراعات أيضًا لكن التخلي عنه شبه مستحيل
حالات عديدة، تقدر بالعشرات، تحاول التواصل مع المركز العلاجي للإدمان على الإنترنت، فكثيرون هم في الجزائر من يشتكون من مشكلة عدم الاستغناء عن وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بات الأمر أشبه بـ"إدمان" حقيقي يهدد أسرهم وحياتهم الخاصة.
ينتقل جزء من الجزائريين من المدينة خلال فصل الصيف خاصة من أجل محاولة التخلص من ضغوطاتها، يأخذون إجازة سنوية ويدفعون فاتورة ثقيلة لكراء شقة على شاطئ من شواطئ الجزائر أو خارج الطن، لتجد الأسرة نفسها مشتتة ذهنيًا بسبب اللوح الإلكتروني والهاتف الجوال وخاصة بسبب "فيسبوك"، الذي لا يمكن تطليقه حتى في فترة الراحة بل صار، كما أكد أحد الشباب لـ"الترا صوت": "ينقل الهموم والمشاكل ويفتح أبواب الصراعات أيضًا لكن التخلي عنه شبه مستحيل".
"العالم الافتراضي، أدخلني في صراع حاد بيني وبين ابني الوحيد"، تقول إحدى الأمهات، بحسرة شديدة، فابنها ذو العشرين سنة لا يخرج من غرفته إلا ما ندر، حيث تعلق بجهازه المحمول وعلاقاته المشبوهة عبر فيسبوك، حسب تصريحات والدته، التي تردد لـ"الترا صوت": "كأن ابني مسحور بالفتيات هنا وهناك من وراء البحار، حيث أعلن لي منذ فترة أنه سيتزوج من برازيلية ثم قال إنها ألمانية". تخاف الأم على ابنها من التعلق بالأوهام، وهي تبحث اليوم عن حلول لإنقاذه من شباك الفضاء الأزرق".
"فيسبوك".. خطف الأطفال من الأسرة
بالأرقام، يشترك أزيد من 10 ملايين جزائري في شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أي أنهم يعيشون في العالم الافتراضي، حسب مختصين نفسيين، ولذلك يعتبرون أن مركز علاج المدمنين على الإنترنت بات ضرورة ملحة. يشرف المختصون النفسيون في المركز على جلسات استماع للمدمنين ويحاولون التطرق إلى مشاكلهم وكيفية علاجها، على اعتبار أن الإنترنت، وخاصة "الفضاء الأزرق" أصبح يمثل "سحرًا" يذهب عقل المتصفح، وقد ينقض على القلب والفكر من طرف أي جهة، سواء جماعة دينية أو جماعة لغوية أو حتى جنسية.
ومع تزايد الحديث عن المخدرات الإلكترونية، دقت الأخصائية الاجتماعية والنائب في البرلمان عن حركة مجتمع السلم سميرة براهيمي، ناقوس الخطر، حيث تعتقد أن الإنترنت ووسائل التواصل وبفعل تزايد انتشارها وتعاطي الشباب والمراهقين معها، "باتت الأسرة الأولى للجيل الجديد"، وأكدت لـ"الترا صوت" أنها "خطفت الأطفال من أسرهم والتلاميذ من مدارسهم والشباب من أحيائهم ومجموعاتهم الاجتماعية". يسود الاعتقاد أن هذا الإدمان بات يمثل عوامل إضافية للتباين الاجتماعي على صعيد القيم في المجتمع الواحد، حيث لم يعد هناك ما يجمع المجتمعات الصغيرة، وصار لكل فرد مجتمعه الخاص.
إشترك بالنشرة البريدية
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء